اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 571
وَبعد انقضاء زمن موسى الكليم وانقراض أعدائه قد جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ عيسى عليه السّلام وَأُمَّهُ رضى الله عنها اى كل واحد منهما آيَةً دالة على كمال قدرتنا وبدائع حكمتنا وغرائب صنعتنا بان جعلنا لعيسى عليه السّلام من الخوارق والمعجزات ما لا يخفى ولمريم ايضا من الكرامات والارهاصات الخارقة للعادات منها الحمل بلا مساس زوج وسقوط التمرة من النخلة اليابسة لأجلها سيما في أوان الشتاء وحضور انواع الأطعمة والفواكه عندها حال كونها في المحراب والأبواب مغلقة عليها مع انها ما تشبه باطعمة الدنيا وفواكهها وغير ذلك من الارهاصات الغريبة وَبعد ما أخرجهما الجاهلون عن مقرهما ومنزلهما آوَيْناهُما اى ارجعناهما واوصلناهما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ اى الى مكان مرتفع من الأرض كثير المآكل والمشارب يتنعم ويترفه الساكنون فيها بلا تردد واضطراب في امر المعاش. قيل هي بيت المقدس او دمشق. ثم قال سبحانه مخاطبا لقاطبة رسله وأنبيائه اصالة ولأممهم تبعا مناديا لهم مسقطا منهم الرهبانية والزهد المفرط المؤدى الى تخريب البنية وضعف القوى المدركة والمحركة عن مقتضاها وكذا جميع آلات الجوارح المعمول بها
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ يعنى نادى سبحانه كل واحد منهم في زمانه كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ التي قد أبحنا لكم حسب ما يسد جوعتكم ويعتدل امزجتكم وأطيب مطاعمكم كسب أيديكم وَبعد ما اعتدل امزجتكم وقوى قواكم اعْمَلُوا عملا صالِحاً مقربا لكم إلينا مصلحا لما في نفوسكم من المقاصد الحاصلة من الاهوية الفاسدة ومن تسويلات الشياطين وتغريراته إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ على وجه الإخلاص عَلِيمٌ اجازيكم عليه سواء تتزهدون وتترهبون أولا
وَمتى علمتم ان مناط أمركم في عملكم المقرب الى ربكم على الإخلاص والخضوع فعليكم بأجمعكم ان تداوموا وتلازموا عليه واعلموا إِنَّ هذِهِ الطريقة المعهودة المذكورة لكم من ربكم أُمَّتُكُمْ اى قدوتكم وقبلتكم موصلة الى توحيد ربكم لذلك قد صارت أُمَّةً واحِدَةً وقبلة منفردة بلا تعدد واختلاف فيها أصلا وان كانت جهاتها وطرقها متعددة مختلفة حسب اختلاف الشرائع والأديان بمقتضى الأعصار والأزمان وَاعلموا ايضا أَنَا رَبُّكُمْ الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي لا أكون عرضة للتعدد والكثرة قطعا فَاتَّقُونِ من أخذي وبطشى ومقتضيات جلالي وقهري إذ لا ملجأ لكم غيرى ولا منجا لكم سواي
ومع ذلك فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يعنى جعلوا دينهم الواحد وملتهم المنفردة وأمتهم الواحدة زُبُراً قطعا مختلفة وصاروا أحزابا متفاوتة ومللا متعددة وامما متكثرة متخالفة بحيث يدعى كل منهم حقية دينه وملته نصا كُلُّ حِزْبٍ منهم بِما لَدَيْهِمْ وعندهم من الدين والملة المرضية لهم فَرِحُونَ مسرورون معجبون
فَذَرْهُمْ بعد ما تحزبوا وانحرفوا عن التوحيد وانصرفوا عن جادته واتركهم على حالهم يعمهون فِي غَمْرَتِهِمْ وجهلهم وغوايتهم حَتَّى حِينٍ اى حين انكشف الغطاء عن بصائرهم وأبصارهم فعاينوا العذاب ولم يمكنهم رده والنجاة منه فهلكوا به صاغرين مضطرين
أَيَحْسَبُونَ ويعتقدون أولئك الضالون المنهمكون في بحر الغفلة والضلال ويزعمون بل يصدقون أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ وما نعطيهم امدادا لهم واعانة عليهم مِنْ مالٍ مله لنفوسهم شاغل لقلوبهم وَبَنِينَ الذين هم يستعبدون نفوسهم ويسترقون أعناقهم
نحن نُسارِعُ ونبادر لَهُمْ فِي نيل الْخَيْراتِ ونول المثوبات والكرامات تفضلا منا إياهم وتعظيما وتكريما لهم ولا يفهمون ولا يتفطنون ابتلاءنا واختبارنا إياهم بإعطاء أمثال هذه الزخرفة
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 571